الملكية المطلقه في الاردن بدلاً من أن نتطور على مر السنين إلى منظومة سياسية أكثر حداثة وعقلانية ومؤسساتية، تخلفت بالفعل من نواح عدة، وكأنها منظومة تحن إلى العصور الوسطى وتطمح إليها. وليس هذا التخلف السياسي نتيجة الجهل والترهل والتكاسل عن الإصلاح، وإنما لملاءمته جهات ما. هذا في بلد يريد أصحاب السلطة فيه أن يظهروا أنهم عصريون ينبذون التخلف.
المشكلة الأولية في هذه المنظومة أنها تقوم على مَلكية مطلقة تدور في فلكها أجزاء النظام والدولة، كالسياسة والإدارة والقضاء والاقتصاد والأمن وغيرها. لا أقول المشكلة في الملكية في مفهومها الضيق فحسب، بل في قيام النظام على ملكية مطلقة ودورانه في فلكها، حتى صارت منظومة الدولة تتشعب أول الأمر على أساس الوصولية والانتفاع والخدمة والمحسوبية من أسفل، والتفضل بأنواع المكافآت من أعلى. وحتى غابت الوطنية الحقة، وغاب الولاء للشعب وخدمة الناس والوصول إلى المناصب والمكاسب عن استحقاق.
المشكلة الرئيسية هذه تتشعب عنها مشاكل أخرى، بعضها يتجسد صراحة في نصوص الدستور والقوانين، وبعضها لا يتجسد في نصوص وإنما يلزم ضرورة في واقع حال منظومة سياسية كهذه وفي ثقافتها وأعرافها. وليس خصامي ها هنا -بالمناسبة– مع النصوص من حيث هي، بل من حيث إن فيها تجسيداً لواقع الحال وتعليلاً وتكريساً له.
أما المشكلة الأولى التي تتشعب عن المشكلة الأصل فهي أن الإرادة الملكية مطلقة تجتمع فيها كل السلطات اجتماعاً لا مجال معه لأي فصل حقيقي أو ذي معنى للسلطات، فالمادة 26 من الدستور تقول "تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام هذا الدستور"، والمادة 35 منه في الفصل المتعلق بالسلطة التنفيذية كذلك تقول "الملك يعيّن رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء". كما أن المادة 98 من الفصل المتعلق بالسلطة القضائية تقول "يُعيَّن قضاة المحاكم النظامية والشرعية ويُعزلون بإرادة ملكية وفق أحكام القوانين". بل حتى السلطة التشريعية، للملك سلطة فوقها يمارسها فعلاً، إذ تعطيه المادة 34 من الدستور حقاً مطلقاً في إصدار الأوامر بإجراء الانتخابات النيابية وفي حل مجلس النواب وتأجيله.
ورغم هذه الحقوق المطلقة التي يعطيها الدستور لمنصب الملك، فهو يعفيه مطلقاً من أي مسؤولية، ويجعل الإرادة الملكية غير خاضعة لإرادة الشعب ولا لأي نقد أو شفافية على أسس القانون. فإن كانت المادة 49 من الدستور تنص أن "أوامر الملك الشفوية أو الخطية لا تخلي الوزراء من مسؤوليتهم"، فالمادة 30 تقول إن "الملك هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية".